الكثير من مستشفياتنا أصبحت تصرف الأدوية بتبذير، أضحينا أكبر بلد توجد به صيدليات، أمر مؤلم ذلك التهاون والاستهتار بالأرواح والتساهل في صرف الأدوية بشكل فادح ومريب
عانت إحدى قريباتي من مرض السكري منذ سنوات. وكانت تتردد على مستشفى خاص في الرياض، لكن حالتها الصحية ازدادت سوءاً. ترهلت قدماها وساقاها، يداها وحزنها. وكادت أن تفقد بصرها. صارت ترتدي نظارة سميكة جداً تحتاج إلى من يحملها معها. ارتفع ضغطها ووزنها وانخفضت معنوياتها. أصبحت لا تخرج من منزلها إلا لماما. لمراجعة مستشفى أو التبضع من صيدلية.
أمام تردي حالتها أخذها زوجها للعلاج في أميركا، وصلا إلى إحدى الولايات الأميركية، وقبل أن يحين موعد زيارتها للمستشفى الأميركي سقطت مغشياً عليها في إحدى المرافق العامة. حملها زوجها عاجلا إلى أقرب مستشفى. أُجريت لها الإسعافات اللازمة في الطوارئ ثم أجري لها كشف طبي شامل. اكتشف الأطباء على الفور أنها مصابة بفشل كلوي ومشاكل في القلب والمعدة بسبب تعاطيها أدوية لا تحتاجها. أدوية لها مضاعفات جانبية خطرة لم يكن من المفترض أن تستخدمها.
منذ نحو 3 شهور وقريبتي مازالت في أميركا تخضع للعلاج المكثف والمتواصل لاستخراج السموم المدفونة في جسدها نتيجة أخطاء طبية قاتلة كادت أن تودي بحياتها، ومازالت تدفع ثمنها حتى اللحظة، ونسأل الله أن يلطف بحالها.
عندما أجرت أمي اتصالاً بها للاطمئنان عليها قالت لها بالحرف الواحد: "أشعر أنني ولدت من جديد". ما أجمل هذا الشعور. هذا الشعور بالصحة الذي توفر لها في أميركا. لكن ماذا عن الملايين الذين لا يستطيعون العلاج خارجاً. ما مصيرهم؟ هل نتفرج عليهم وهم يتناولون الموت في أقراص؟ من يعوضهم عن كلاهم التي أتلفت وقلوبهم التي عطبت وأطرافهم التي بترت؟
إن الكثير من مستشفياتنا أصبحت تصرف الأدوية بتبذير، أضحينا أكبر بلد توجد به صيدليات، بين كل صيدلية وصيدلية صيدليتان.
أمست الخدمات الطبية في مستشفياتنا الخاصة والعامة على حد سواء محل تساؤل وشكوك، وصارت الأخطاء في التشخيص والعلاج الطبق الرئيسي الذي يتناوله الجميع في لقاءاتهم ومناسباتهم. وأحد آخر هذه الحالات ما تعرضت له الشاعرة مستورة الأحمدي، رحمها الله. فقد فشل الأطباء في مستشفى عام بالمدينة في تشخيص دقيق لحالتها الطبية على الرغم من مرور أسبوع على دخولها المستشفى. وتباين التشخيص الطبي للحالة بين التهاب في القصبة الهوائية وبين إصابتها بجلطة في الدماغ، مما انعكس على حالتها الصحية ووفاتها لاحقاً.
يجب أن نعترف أن لدينا مشكلة كبيرة في الخدمات الصحية تحتاج إلى تدخل جراحي لعل وعسى يتم إنقاذ ما يمكن إنقاذه. إنني والآلاف نتألم عندما نشاهد التهاون والاستهتار بالأرواح والتساهل في صرف الأدوية بشكل فادح ومريب.
لا يمكن أن أنسى موقفاً تعرضت له خلال وجودي في بريطانيا.. ذهبت لإحدى الصيدليات للحصول على (قطرة عين) بوصفة طبية من السعودية، فرفض الصيدلي بحجة أن التعليمات تتطلب أن تصرف الأدوية من المستشفيات البريطانية نظراً لاختلاف مسميات الأدوية من دولة إلى أخرى. رجوته أن يفعل لكنه اعتذر قائلاً: "إنني أفعل هذا من أجلك". في المقابل تجد الصيدلي في وطننا يقوم بصرف الأدوية دون وصفة في أحيان كثيرة، كما يقوم باقتراح بعض الأدوية على المرضى، يمنحك أقراصاً بالجملة. تخرج من الصيدلية حاملاً معك صيدلية صغيرة. في الماضي، كانت منازلنا لا تحتوي إلا على القليل من المسكنات والمطهرات للآلام والجروح الطفيفة، أما اليوم فلقد أصبحت فروعاً للصيدليات المجاورة من فرط ما تحتويه من أدوية لا يعلم حجم أثرها وخطرها إلا الله سبحانه وتعالى.
إننا نمضي وحدانا وزرافات إلى المقابر ونحن نتناول الموت في أقراص، فمن يعلق الأجراس!